fbpx

ما بعد داعش..العراقيون يحاولون بناء مستقبل مشترك بالاحترام وحده تخلق الصلات بين الناس

Published on Tuesday, 9th of April 2019

في جامعة الموصل التي تعد ثاني أكبر مركز حضاري في العراق ولفترة قريبة كانت مقر قيادة داعش، نظمت مبادرة ادارة الازمات الفنلندية حدثا استثنائيا، حيث جمعت في لقاء حواري ممثلين من مختلف المجموعات الوطنية والعرقية المختلفة ذلك لضمان عدم تكرار الأحداث المأساوية التي حدثت في العراق.

تقف الأثار المظلمة في الحرم الجامعي صامتة تحت المطر، على السقف المزخرف بالورود في القاعة الرئيسية تلحظ الاحرف الاولى من اسم صدام حسين، الاحداث المأساوية واضحة في جامعة الموصل بمعالم عديدة، اثناء وجودها في قبضة داعش كانت مختبرات الجامعة تستخدم لصنع الاسلحة الكيماوية، وخلال تحرير الجامعة تم تدمير الحرم الجامعي. بكل بشاعة قام مقاتلوا داعش باحراق مكتبة الجامعة والتي لا تقدر بثمن، الاف الكتب الثمينة والمخطوطات تم تدميرها في محاولة منهم لمحو تاريخ الموصل متعدد الثقافات.

النجفي محمد محمد بحر العلوم يتناول الغداء مع الموصلين أيمن الأعرجي وبندر فارس (في خلف).

دوما حلمت بزيارة الموصل

يوم من أيام اذار 2019 جمعت مبادرة ادارة الازمات الفنلندية في جامعة الموصل عراقيون من مجموعات وطنية مختلفة، ذلك ضمن الجهود لضمان أن هذا الجزء المأساوي من التاريخ العراقي لن يعيد نفسه. الفكرة الرئيسية التي وجهت اللقاء تفكيك التناقضات بين الجماعات الدينية والعرقية التي أنشأها السياسيون ووسائل الإعلام واستبدال الروايات السلبية بأخرى ايجابية، حيث سئم عدد متزايد من العراقيين من السياسات التي تدعم هذه الانقسامات، والتي ساهمت في ظهور داعش.

مجموعة من المسلمين الشيعة المؤثرين من بينهم قادة دينيون وعلماء ونشطاء مجتمع مدني من النجف جاؤوا الى الموصل، واستقبلهم المسلمون السنة والمسيحيون واليزيديون في جامعة الموصل بترحاب شديد، وتضمن الاستقبال الحار خطابات والقاء شعر، في أجواء قدمت رسالة وحدوية قوية من الشيعة دعما لوحدة العراق.

السيد جواد الخوئي رئيس الوفد ورجل الدين الشيعي في خطابه هتف بصوته الجهور” يجب أن ينتهي الانقسام بين الشمال والجنوب في العراق، نحن واحد، طوال حياتي كنت أحلم بالذهاب إلى الموصل والآن أصبح الأمر حقيقة”

إن الانقسام بين الشمال والجنوب يجب أن ينتهي. “نحن واحد.” – رجل الدين الشيعي البارز السيد جواد الخوئي

تبرز الحقائق وتتراجع الاكاذيب عندما يتعرف الناس على بعضهم البعض

تخلل اللقاء الحواري غذاء مشترك، حيث يعد هذا الغذاء جزء مهم في الثقافة العراقية ويدل على الاحترام والترحيب، تناول أاعضاء الوفد غذاؤهم بجو من الحميمية والاحترام وتجاذبوا اطراف الحديث.

محمد بحر العلوم من النجف ذو ال 26 عاما يجلس على طاولة واحدة مع عدد من طلاب الجامعة الحاليين والخريجين. يناقشون الطريقة التي تم بها تصوير أشخاص من الموصل بشكل قاتم كمتعاونين مع داعش. يقول محمد ” اليوم بات واضحا لي كيف تسير الامور، أصبحت أدرك الحقيقة أن سكان الموصل بريئون، هذا التوتر بين المجموعات المختلفة يرجع إلى الخصومات التي تولدها وسائل الإعلام والسياسيون، وبسبب خطاب الكراهية الذي ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما يتعرف الناس بعضهم الى بعض عن قرب يرون الحقيقة كاملة وتتراجع الاكاذيب”.

ديانا خليل وبلسم فرانسو ترتديان الزي المسيحي العراقي التقليدي اثناء جلسة الحوار.

الموصل..نموذج مشجع للتعايش السلمي

ثمانية عشر شهر مرت على تحرير الموصل من نير داعش، وتعود الحياة تدريجيا الى المدينة، ويتطلب الأمر إعادة إعمار ضخمة بالكاد تجري، هذا بسبب الضرر الذي أحدثته داعش في روح المدينة بما زرعته من ريبة بين الجماعات العرقية والدينية.

بندر فارس ابن ال 22 عاما وهو طالب جامعي وناشط في المجتمع المدني يحدثنا فيقول ” تركت داعش سكان المدينة بصدمة عميقة، جميع سكان المدينة كانوا ضحية لداعش وليس فقط مجموعات محددة، وعلينا الان أن نلتزم تجاه بعضنا البعض للبقاء على قيد الحياة”.  يمكن أن تصبح الموصل مصدر تشجيع للبلد بأسره حول كيفية عيش العراقيين في سلام جنبًا إلى جنب في حال عادت ووقفت على رجليها، وإن التفاعلات الجارية اليوم في جامعة الموصل تعزز الشعور بأن الشباب هم الذين يستطيعون تحقيق مستقبل مشترك لشعب الموصل قبل كل شيء.

بسبب داعش ينظر بالريبة  وعدم الثقة الى السنة في المدينة وهم الاغلبية، لهذا يقضي فارس بعض الوقت مع الاصدقاء في المجتمعات الشيعية والمسيحية واليزيدية، ذلك حتى يتمكن الشباب من فهم بعضهم البعض بشكل أفضل، وحتى لا يكون الزعماء الدينيون أاو السياسيون هم الذين يقررون بالنسبة للشباب ما يجب ان يفكروا فيه تجاه بعضهم البعض.

بعد تحرير الموصل، فارس وأصدقاؤه ضمن مجموعة من المتطوعين قاموا بإزالة الأنقاض والاثاث المحطم من المدينة القديمة المدمرة، يُظهر فارس صورة على هاتفه الخلوي لشبان يجلسون فوق شاحنة لجمع القمامة في زقاق ضيق. ويشير فارس ” لا يزال الناس يشكروننا على جهودنا.

بندر فارس: ينبغي وضع الدين جانبا

دعونا نضع الدين جانبا

مجموعة من طلبة جامعة الموصل يقولون أن الجو في المدينة أصبح أكثر تسامحا منذ تم طرد داعش.

ديانا شاليل إبنة ال 21 عاما والتي إرتدت ملابس مسيحية عراقية تقليدية ملونة تقول ” بداية عودتنا الى الموصل لاحظنا أن البيئة كانت مغلقة إلا أننا الان نلحظ مزيد من الانفتاح وبدئنا نتعلم الكثير عن اديان بعضنا البعض، هذا الوعي زاد من الاحترام والتعاون المتبادلين”.

بالنسبة لفارس وشاليل هناك شعور بين الشباب أنه لا ينبغي أن يكون هناك أهمية كبيرة للدين كما كان من قبل، فهذه الطريقة الوحيدة من وجهة نظرهم التي تمكن العراقيين من العمل معا. تقول شاليل رسالتي ” أن نضع الدين جانبا وبدون ذلك لن نتمكن من مواجهة المشكلات”. من جانبه يشير فارس ” أنالا أحب مصطلحا سنة وشيعة، لقد ولدوا الكثير من الكراهية في البلاد، انا عراقي أولا ومسلم ثانيا”

مدخل مبنى جامعة الموصل – صورة جماعية للمشاركون/ات في الفعالية

المكان الاقدس لليزيديين

في ظل هطول مستمر للامطار وعلى جوانب الطريق رعاة الاغنام يخوضون صراعهم ضد المطر الصعب واصل أعضاء الوفد من الشيعة رحلتهم الى المكان الاقدس لليزيديين في جبال شمال العراق، عند رأس واد ضيق، تتوقف القافلة بالقرب من معبد به قبة مدببة في لالش، أقدس مكان لدى اليزيديين حيث يجب على كل يزيدي الحج الى المعبد مرة واحدة على الأقل في حياتهم، وحيث لجئ المئات من اليزيديين من الاضطهاد على يد داعش، وهذه كانت المناسبة الاولى التي يقوم فيها وفد شيعي بزيارة لالش.

دخل الوفد الشيعي المعبد وخلعوا احذيتهم وجواربهم على بابه إحتراما للطقوس المتبعة لدخول المعبد، وقدموا تحياتهم لقبر الزعيم الايزيدي (الشيخ عدي بن مسافر) في ظل هتاف يملئ الغرفة الصغرى في المعبد للزعيم الروحي بابا شاويش.

كما زار الوفد الشيعي منزل الزعيم الروحي لليزيديين بابا شيخ (في الوسط) الباحث حيدر الخوئي (يمين) يصافحه.

الحوار لا بد أن يستمر لنبني العراق

لعدة قرون كان اليزيديون هدفا للاضطهاد، وخلال جلسة شاي جمعت الوفد أدان ممثلوا الشيعة كل أشكال التمييز التي تعرض لها اليزيديون، بل أكثر، رحبوا بهم ليكونوا ضيوفا عليهم في النجف، حيث يهدف الوفد الشيعي إلى زيادة فهمهم لليزيديين خاصة لا يوجد الكثير مكتوب حول عقيدتهم باللغة العربية. في جو حميمي رئيس الوفد السيد جواد الخوئي قال ” اليزيديون جزء اساسي من العراق ونفتح قلوبنا لهم”. من جانبه أشار حسين حسون ممثل اليزيديين ” هذا اليوم بالغ الاهمية حيث دعوات متبادلة للزيارة تم قبولها، يجب أن نواصل الحوار لبناء هذا البلد، ويجب ان يكون العراقيون واحدا وأن يحترموا جميع الاديان والمجموعات العرقية”.

محمد بحر العلوم يعتزم نشر لقاءاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي وقت لاحق سيزور اليزيديين والمسلمين من الموصل النجف وزيارة أكثر الاماكن قدسية هناك مثل قبر الامام علي. يقول بحر العلوم ” ان الهدف من هذه الزيارات واللقاءات هو إجراء حوار مفتوح بيننا يؤدي إلى إحترام بعضنا البعض، فالاحترام الحقيقي هو فقط من يخلق علاقة حقيقية بين الناس، وبهذه الطريقة يمكننا فقط أن نكون شعبا واحدا”.